فن صناعة القيادة
بقلم: عصام ضاهر
التحفيز والإثابة
نرى في حياتنا الكثير من القادة، ونعايش بعضهم، ونلمس اختلافات كثيرة بينهم، فمنهم الناجح في قيادته، ومنهم من يجافيه النجاح، منهم من يحصل من مرؤوسيه على أعلى معدلات الإنجاز، ومنهم من يرضى بالقليل منها، منهم من تكون همته في الثرى، وآخرون همتهم في الثريا، منهم من تهفو نفسه إلى القمة، وآخرون يرضون بالدنية.
لكن الشيء الذي نكاد نتفق عليه جميعًا، أن هناك اختلافات واضحة في كيفية إدارتهم لفرق عملهم، والآليات التي يستخدمونها في تحقيق أهدافهم لا سيما تهيئة الظروف المناسبة للقيام بالعمل، وغرس الثقة، وبث روح المنافسة بين الأفراد، وإعلاء همتهم، وتحفيزهم من أجل الحصول على أعلى معدلات الإنجاز المأمولة.
ونحن هنا نحاول أن نسلط الضوء على أمر يكاد يكون هو الأهم في الحصول على أعلى معدلات الإنجاز، وسرعة تحقيق الأهداف المطلوبة من الأفراد ألا وهو التحفيز والإثابة.
ما التحفيز؟
التحفيز هو: عبارة عن مجموعة الدوافع التي تدفعنا لعمل شيء ما، أو القيام بمهمة مطلوبة.
وهو: توجيه سلوك الأفراد وتقويته ومواصلته لتحقيق أهداف مشتركة وأنواع الحوافز كثيرة (المادية والمعنوية/ السلبية والإيجابية/ الفردية والجماعية) المبادئ الإدارية من سور الإسراء- الكهف- مريم- (ج 1/ ص 37)
وهو أيضًا: عملية نفسية لها علاقة مباشرة بالروح لا بالجسد.
وتنبع أهمية التحفيز لكونه يعتبر المرحلة التي تسبق العمل، وهو ما يمكن أن نسميه بـ"التهيئة".
فكلما كان التحفيز جيدًا كان إنجاز العمل أجود، وكانت معدلات الإنجاز مرتفعة.
ويعتبر التحفيز من أهم ما يبحث عنه الإنسان، وينتظره من الغير، لذا عليك أن تدرك الطبيعة الإنسانية وكنهها، يقول العالم النفسي "وليم جيمس": "من أعمق الصفات الإنسانية لدى الإنسان هو أن يحرص دائمًا على أن يكون مقدرًا خير تقدير من قبل الآخرين"، "شبكة الإنترنت".
المقصود بالإثابة
أثَابَه اللهُ يُثِيْبُه إثَابَةً.
والإِثَابَةُ: الإِصْلاَحُ والتَّقْوِيْمُ، ومنه قَوْلُ أُمِّ سَلَمَة لعائشَةَ: "إنَّ عَمُوْدَ الدِّيْنِ لا يُثَابُ بالنِّسَاءِ". المحيط في اللغة- (ج 2/ ص 423).
وأثاب اللّه العبادَ يثيبهم إثابةً وثَوابًا، إذا جازاهم بأعمالهم. جمهرة اللغة- (ج 1/ ص 104).
الفرق بين التحفيز والإثابة
ليس هناك فرق يذكر بين عملية التحفيز وعملية الإثابة، لأنهما وجهان لعملة واحدة، اللهم إلا أن التحفيز كما أشرنا سابقًا أنه المرحلة التي تسبق العمل، والإثابة تأتي بعد إتمام العمل، وكلاهما له نفس التأثير في إنجاح أي عمل مهما كان.
والتفريط في أيٍّ منهما من قبل القائد لا شك أنه سيؤثر تأثيرًا سلبيًّا في العمل، وقد يقعد بالأفراد عن إتمامه، أو التهرب من إنجاز أي عمل آخر.
نماذج من التحفيز والإثابة في القرآن الكريم
القارئ لكتاب الله تعالى والمتدبر في آياته، يجد الكثير من الآيات التي تستخدم أسلوب التحفيز والتي تحث الناس على القيام بأفعال معينة، أو ترك أمور بعينها في مقابل أن يحصلوا على فوائد دنيوية وأخروية، وليست أخروية فقط.
ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف)، وأيضا قوله تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾ (نوح).
إذًا التحفيز على أمور دنيوية وأخروية موجود بكتاب الله تعالى، فضلاً عن الآيات التي تتحدث عن عاقبة المؤمنين من النعيم المقيم عند الله تبارك وتعالى بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولهم، ولهم...
الرسول صلى الله عليه وسلم يمنح الأوسمة في غزوة ذِي قَرَد:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "... كَانَ خَيْر فُرْسَاننَا الْيَوْم أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْر رَجَّالَتنَا سَلَمَة ..." (جزء من حديث رواه الإمام مسلم).
وفي هذا الحديث يقول الإمام النووي (هَذَا فِيهِ اِسْتِحْبَاب الثَّنَاء عَلَى الشُّجْعَان وَسَائِر أَهْل الْفَضَائِل لا سِيَّمَا عِنْد صَنِيعهمْ الْجَمِيل، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرْغِيب لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ الْجَمِيل، وَهَذَا كُلّه فِي حَقّ مَنْ يَأْمَن الْفِتْنَة عَلَيْهِ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوه) "شرح النووي على مسلم".
ويمدح الرجال ويستخدم عبارات التشجيع في موقف آخر:
فمن مدحه للصحابة- رضي الله عنهم "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ" (الأدب المفرد للبخاري).
ومن استخدامه لعبارات التشجيع مع صحابته- رضي الله عنهم- عَنْ أَبِى مُوسَى- رضي الله عنه- قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَالَ: ""أَحَجَجْتَ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ "بِمَا أَهْلَلْتَ". قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النبي- صلى الله عليه وسلم-. قَالَ:أَحْسَنْتَ..." (صحيح مسلم).
وعَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيَّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ". قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيَّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ". قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ" ومعنى "ليهنك العلم: أي ليكن العلم هنيئًا لك"، (صحيح مسلم).
مع التحفيز ترتفع معدلات الإنجاز لدى الأفراد
وهذا ما حدث مع المسلمين في غزوة بدر، لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فهيأهم وحرضهم. أعطى للتحفيز وقته الكافي فهو أعلم الناس بحرج موقف جيش قوامه ثلث عدد جيش العدو، رفع معنويات الجنود، وغير حالتهم النفسية والمزاجية. وانعكس ذلك على حالاتهم الفسيولوجية، حفزهم- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة" (رواه مسلم).
وأدبر الخوف من قلوبهم، وارتفع معدل الإنجاز الذي وصل معدله إلى 300% تقريبًا، إذ استطاع أربعة عشر وثلاث مائة مقاتل أن يصمدوا في وجه ألف، بل ويلحقوا بهم الهزيمة المذلة "فن تهيئة النفوس لطارق السقا- مقال منشور على شبكة الإنترنت- بتصرف".
وهناك الكثير والكثير من الأمثلة والنماذج التي تدل على استخدام النبي- صلى الله عليه وسلم لأسلوب التحفيز والإثابة، مما لا يتسع المقام هنا لذكره.
فعلى القائد الناجح أن يستخدم عبارات المدح والتشجيع مع من يقودهم، إذا رأى منهم أي بادرة حسنة أو إنجاز لمهمة من المهام الموكلة إليهم حتى يقوي ذلك من عزيمتهم.
الفاروق والرشيد واستخدامهما للتحفيز والإثابة
كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حريصًا على أن يحفظ الناس القرآن وأن يعلموا معاني القرآن، فقد أخرج ابن زنجويه عن كنانة العدوي قال: كتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -إلى أمراء الأجناد: (أن ارفعوا إليَّ كل من حمل القرآن حتى ألحقهم في الشرف من العطاء- أي يزيد في أعطياتهم-، وأُرسلهم إلى الآفاق يعلمون الناس، فكتب إليه الأشعري- رضي الله عنه- أنه بلغ من قبلي ممن حمل القرآن ثلاثمائة وبضع رجال، فإذا عمر يقول: من يحسن نزده ومن يسيء نعاقبه).
وكتب الخليفة هارون الرشيد- رحمه الله- إلى الولاة وإلى أمراء الأجناد يقول: (أما بعد فانظروا من التزم الأذان عندكم فاكتبوه في ألف دينار من العطاء، ومن جمع القرآن وأقبل على طلب العلم، وعمر مجالس العلماء، ومقاعد الأدب فاكتبوه في ألفي دينار من العطاء ومن جمع القرآن وروى الحديث وتفقه في العلم واستبحر فاكتبوه في أربعة آلاف دينار وليكن ذلك امتحان الرجال السابقين لهذا الأمر ومن المعروفين به من علماء عصركم وفضلاء دهركم فاسمعوا قولهم وأطيعوا أمرهم).
حتى قال ابن المبارك فما رأيت عالمًا ولا قارئًا للقرآن ولا سابقًا للخيرات ولا حافظًا للحرمات في أيامٍ بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثماني سنين. "من حوار مع الشيخ محمد صالح المنجد- بتصرف".
من وسائل التحفيز والإثابة
- قدم لأفرادك الكثير من التشجيع.
- استخدم التعليقات البنَّاءة بدلاً من النقد القاسي.
- أظهر الإعجاب بأعمال الأفراد.
- شجع روح التفاعل بين الأفراد وكافئ المحسن منهم.
- قسم المهام على الأفراد على حسب طاقتهم.
- استخدم المدح بدلاً من التوبيخ، فلقد قالوا قديمًا (إن درهمًا من المدح أفضل من قنطار من اللوم).
- استخدم المكافآت والحوافز المادية.
- عليك أن تبث روح الثقة في نفوس الأفراد.
- درب أفرادك على اتخاذ القرارات بأنفسهم.
- تذكر دائمًا أنك تتعامل مع طبائع وأمزجة مختلفة، فعامل كلاً من أفرادك على حسب طبعه.
كن مرحًا وابتسم في وجه أفرادك، فالابتسامة تأسِرالقلوب -
- إذا وعدت بمكافأة للمجيدين، فأنفذ وعدك.
- - شارك مع أفرادك في العمل، ولا تكتف بالإشراف فقط.