الصحابي الخامس والعشرون
نسبه رضي الله عنه
عمرو بن الجموح هو صهر عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما إذ كان زوج لأخته هند بنت عمرو رضي الله عنها وكان ابن جمـوح رضي الله عنه واحدا من زعماء المدينة وسيد من سادات بني سلمـة ، سبقه ابنـه معاذ بن عمرو رضي الله عنهما للإسلام فكان أحد السبعين في بيعة العقبة الثانية وكان له الفضل بإسلام أبيه .
إسلامه رضي الله عنه
كان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل رضي الله عنهما يدعوان للإسلام بين أهل المدينة في حماسة الشباب المؤمن الجريء.وكان من عادة الناس هناك أن يتخذ الأشراف في بيوتهم أصناما رمزية غيرتلك الأصنام الكبيرة المنصوبة في محافلها، والتي تؤمها جموع الناس.فاتفق عمرو بن الجموح مع صديقه معاذ بن جبل رضي الله عنهما على أن يجعلا من صنم عمرو بن جموح رضي الله عنه سخرية ولعبا.فكانا يدلجان عليه ليلا، ثم يحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيها فضلاتهم .
ويصيح عمرو رضي الله عنه فلا يجد منافا في مكانه، ويبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة.. فيثور ويقول : ويلكم من عدا على آلهتنا الليلة ؟ ) ثم يغسله ويطهره ويطيبه..فإذا جاء ليل جديد ، صنع المعاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما بالصنم مثل ما يفعلان به كل ليلة.حتى إذا سئم عمرو رضي الله عنه جاء بسيفه ووضعه في عنق مناف وقال له: ( إن كان فيك خير فدافع عن نفسك فلما أصبح لم يجده مكانه.. بل وجده في الحفرة ذاتها طريحا، بيد أن هذه المرة لم يكن في حفرته وحيدا، بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق.وإذا هو في غضبه، وأسفه ودهشته ، اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين كانوا قد سبقوا إلى الإسلام وراحوا، وهم يشيرون بأصابعهم إلى الصنم المنكس المقرون بكلب ميت، يخاطبون في عمرو بن الجموح رضي الله عنه عقله وقلبه ورشده، محدثينه عن الإله الحق، العلي الأعلى ،الذي ليس كمثله شيء.وعن محمد صلى الله عليه وسلم لصادق الأمين، الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ.. ليهدي لا ليضل..وعن الإسلام الذي جاء يحرر البشر من الأغلال ، جميع الأغلال، وجاء يحيى فيهم روح الله وينشر في قلوبهم نوره.وفي لحظات وجد عمرو رضي الله عنه نفسه ومصيره..وفي لحظات ذهب فطهر ثوبه ، وبدنه ثم تطيب وتأنق، وتألق، وذهب عالي الجبهة مشرق النفس، ليبايع خاتم المرسلين، وليأخذ مكانه مع المؤمنين.
جوده رضي الله عنه أسلم عمرو بن الجموح رضي الله عنه قلبه وحياته لله رب العالمين، وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الجود والسخاء، فإن الإسلام زاد
جوده مضاء، فوضع كل ماله في خدمة دينه وإخوانه..سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح رضي الله عنه فقال :من سيدكم يا بني سلمة..؟ "قالوا: الجد بن قيس، على بخل فيه..فقال صلى الله عليه وسلم :وأي داء أدوى من البخل .. بل سيدكم الجعد الأبيض، عمرو بن الجموح "فكانت هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريما لابن الجموحرضي الله عنه ، أي تكريم ..
جهاده رضي الله عنه
مثلما كان عمرو رضي الله عنه يجود بماله أراد أن يجود بروحه في سبيلالله ولكن كيف ذلك وفي ساقه عرجا شديدا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال ، وله أربعة أولاد مسلمون ، وكلهم كالأسود كانوا يخرجون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو، وحاول عمرو بن الجموح رضي الله عنه الخروج يوم بدر فتوسل أبناؤه للرسول صلى الله عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج ،وبالفعل أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه معفي من الجهاد لعجزه الماثل بعرجه ، وعلى الرغم من إلحاحه ورجائه ، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء في المدينة
الشهادة رحمه الله
جاءت غزوة أحد فذهب عمرو رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له وقال له: يا رسول الله إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ووالله إني لأرجو أن أخطر، بعرجتي هذه في الجنة )وأمام إصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج، فأخذ سلاحه،وانطلق يخطر في حبور وغبطة، ودعا ربه بصوت ضارع :اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني الى أهل والتقى الجمعان يوم أحد..وانطلق عمرو بن الجموح وأبناؤه الأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلام..كان عمرو بن الجموح يخطر وسط المعمعة الصاحبة، ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية..كان يضرب الضربة بيمينه، ثم يلتفت حوله في الأفق الأعلى ، كأنه يتعجل قدوم الملاك الذي سيقبض روحه، ثم يصحبها إلى الجنة.. أجل.. فلقد سأل ربه الشهادة، وهو واثق أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب له..وهو مغرم بأن يخطر بساقه العرجاء في الجنة ليعلم أهلها أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعرف كيف يختار الأصحاب، وكيف يربي الرجال.. وجاء ما كان ينتظر .. ضربة سيف أومضت معلنة ساعة الزفاف ..زفاف شهيد مجيد إلى جنات الخلد وفردوس الرحمن..وعندما كان المسلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول صلى الله عليه سلم : انظروا، فاجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبرواحد، فانهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين "ودفن الحبيبان الشهيدان الصديقان في قبر واحد، تحت ثرى الأرض التي تلقت جثمانيهما الطاهرين، بعد أن شهدت بطولتهما الخارقة.وبعد مضي ست وأربعين سنة على دفنهما، نزل سيل شديد غطى أرض القبور، بسبب عين من الماء أجراها هناك معاوية، فسارع المسلمون إلى نقل رفات الشهداء، فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا في نقل رفاتهم :لينة أجسادهم ..تتثنى أطرافهم وكان جابر بن عبدالله رضي الله عنه لا يزال حيا ، فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدالله بن عمرو بن حرام ، ورفات زوج عمته عمرو بن الجموح رضي الله عنهم ، فوجدهما في قبرهما، كأنهما نائمان .. لم تأكل الأرض منهما شيئا ، ولم تفارق شفاههما بسمة الرضا والغبطة التي كانت يوم دعيا للقاء الله ..فسبحان الله إن الأرواح الكبيرة، التقية ، النقية ، التي سيطرت على مصيرهاتترك في الأجساد التي كانت موئلا لها، قدرا من المناعة يدرأ عنها عوامل التحلل ، وسطوة التراب