ما أسرع أن يمر الوقت... وما أسرع أن تمضي الليالي والأيام.. وإنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم يمضي نقص من الأجل.فمهما طال عمر الإنسان ومكثه في الحياة, فهو قصير ما دام الموت هو نهايته, وحينما يأتي الموت يطوي العمر, وكأن الإنسان ما عاش في هذه الحياة إلا برهة, يقول تعالى, مشيرا إلى هذه الحقيقة : " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون " .الروم:55. الوقت راس مال المسلم: الوقت هو مادة الحياة, وهو أنفس من المال وأغلى, أرأيت لو أن متحضرا وضع أمواله جميعا ليزيد في عمره يوما واحد, هل يحصل له ذلك التمديد؟ ولعظم شأن الوقت وقيمته فقد أقسم جل وعلا بالعصر وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال الصالحة للمؤمنين وزمن الشقاء للمعرضين, فقال تعالى: " والعصر, إن الإنسان لفي خسر, إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر ", وقدعني القران والسنة المطهرة بهذه القيمة الغالية, وقد جعل الله الليل والنهار يتعاقبان في حياة الناس, فمن فاته عمل في أحدهما تداركه في الآخر.
الوقت كالسيف: واجب كل مسلم أن يغتنم كل دقيقة من العمر, وألا يفرط في زمانه, وألا يضيع أوقات فراغه في لهو وعبث, فقد جاء عن ابن عباس –رضي الله عنه-عن النبي- صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ." والنفس البشرية جبلت على أن الإنسان إن لم يشغلها بالخير شغلته بالشر, فعلى الإنسان أن يستغل نعم الله لديه بالطاعة, فانه لا يدري ماذا يخبئ له الدهر من البلايا والصوارف , فقد أخبر عمر بن ميمون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وعظ رجلا فقال له : " اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك, وصحتك قبل سقمك, وفراغك قبل شغلك, وشبابك قبل هرمك, وغناك قبل فقرك.".
كيف يستثمر المسلم وقته..؟ لكي يستثمر المسلم وقته في مراضاة الله وفيها يفيده في دنياه وأخرته لابد أن يجعل له عمرا ثانيا: فالذكر للإنسان عمر ثان وذلك بما يعمل من صالحات باقيات, فان أثار هذه الأعمال تمتد إلى ما بعد الموت ويبقى عمله موصولا حتى بعد موته يؤدي رسالته للأحياء وهو مقبور...وقد أشار القران الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: " انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين". يس: 12.
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه-عن النبي- صلى الله عليه وسلم: "ان مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته , علما عمله ونشره, وولدا صالحا تركه,ومصحفا ورثه, أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه , أو نهرا أجراه, أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته".
السؤال عنه: عن معاذ بن جبل –رضي الله عنه-عن النبي- صلى الله عليه وسلم, أنه قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه, وعن علمه ماذا عمل فيه.." فليحذر المسلمون من إضاعة الوقت, وليحرصوا على العمل بجد , وخاصة في أخصب أيام عمرهم وهي الشباب..يقول صلى الله عليه وسلم , فيما رواه أنس: " إن قامة الساعة وفي بد أحدكم فسيلة فان استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل". فعلى الإنسان أن يحذر التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى الغد, فان "سوف" جند من جنود إبليس, وان الإنسان لا يضمن أن يعيش إلى الغد ,وإذا عاش فلا يضمن أن يخلوغده من الصوارف والشواغل.
أهداف دنيوية: من رأى حال الناس اليوم مع الوقت يجد جوابا يعجبه أننا خلقنا لنأكل ونشرب ونتمتع ونلعب ونلهو ونبني الدور والقصور, هذا هو واقع الكثير, وحينئذ يشتركون في هذه الأهداف الدنيوية مع البهائم والكفار الذين جعلوا هدفهم التمتع بملاذ الدنيا.. حلالا كانت أو حراما.. قال تعالى:" والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" محمد:12 , والله عز وجل خلقنا لأمر عظيم حدده سبحانه بآية كريمة, قال فيها تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ". المؤمنون:115.
فعمرك أخي المسلم هو موسم الزرع في هذه الدنيا.. والحصاد هناك في الآخرة , فلا يحسن أن يضيع , لأن الدنيا دار فناء لا محل إخلاد , ومركب عبور لا منزل استقرار , ومشروع انفصام لا موطن دوام .